جلست صباح البريم، 62 عاماً، وسط بقايا خيمتها وهي تروي للصحفي جيسون بيرك كيف هاجمت الرياح والأمطار مدن الخيام على شاطئ جنوب غزة الأسبوع الماضي، فانهار المأوى الهش المصنوع من أقمشة بلاستيكية وأخشاب منقذة من الركام، وغمرت المياه مقتنيات الأسرة التي نزحت مراراً منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 بعد أن كانت تقيم في خان يونس.
تُظهر الوقائع التي نقلتها الجارديان واقعاً قاسياً لأكثر من مليوني فلسطيني يواجهون أزمة إنسانية خانقة رغم نجاتهم من حرب امتدت عامين، بينما يستعد نحو نصف مليون في منطقة المواصي الساحلية المزدحمة لشتاء ثالث على وقع النزوح والبرد والمطر.
المأوى أولاً.. ثم لقمة العيش
تؤكد منظمات الإغاثة أن الحاجة الأكثر إلحاحاً تكمن في المأوى. دمّرت الغارات المتلاحقة معظم المنازل أو جعلتها غير صالحة للسكن، بينما يقع جزء منها شرق “الخط الأصفر” الذي يقسم القطاع إلى منطقة تخضع لسيطرة عسكرية إسرائيلية وأخرى تديرها فعلياً حركة حماس. يروي السكان مشاهد أطفال حفاة يخوضون بركاً موحلة ونساء يحاولن إعداد الشاي تحت سماء ملبدة، فيما يلجأ آخرون إلى مبانٍ مهددة بالانهيار تغطي فجواتها قطع بلاستيك.
تأتي الحاجة إلى الغذاء في المرتبة الثانية. دعا اتفاق وقف إطلاق النار المقترح إلى إرسال “مساعدات كاملة”، لكن الكميات التي تصل تبقى أقل كثيراً من المطلوب. يوضح مسؤول رفيع في منظمة دولية كبرى أن الوضع تحسن نسبياً من حيث تفادي المجاعة، لكنه بعيد عن تلبية الاحتياجات، مشيراً إلى عوائق لا تزال تؤخر دخول آلاف الخيام ولفائف القماش المشمع، مع القدرة على توزيع ما يصل إلى عشرة آلاف خيمة يومياً لو أتيحت السبل.
تمنع إسرائيل دخول إمدادات عبر معبر رفح من الجانب المصري حتى الآن، بينما أُعيد فتح معابر أصغر من جهتها. تدخل غالبية الشحنات عبر مشغلين تجاريين خاصين أو تبرعات من دول خليجية، وسط إجراءات بيروقراطية معقدة تبطئ التوزيع أو توقفه. تبرر الجهات الإسرائيلية القيود بحجج تتعلق بالاستخدام العسكري المحتمل لبعض المواد مثل أعمدة الخيام، فيما تشير بيانات رسمية إلى تسهيل توزيع عشرات آلاف الأغطية المشمعة، مع ملاحظة أن آلاف الخيام المصممة لفصل الصيف لا تصلح لبرودة الشتاء.
أسواق باهظة.. وخيارات شبه معدومة
تقفز الأسعار في غزة بعنف. يستطيع من يملك مالاً شراء خيمة بنحو 800 دولار، لكن معظم سكان المواصي فقدوا السيولة بعد عامين من الحرب. يعجز كثيرون عن شراء الطعام والدواء وغاز الطهي النادر. توسّع مطابخ المجتمع المحلي نشاطها، لكنها تعجز عن سد الفجوة. يقول ماهر أبو جراد، 29 عاماً من بيت لاهيا، إن أسرته تعيش غالباً على معلبات البقوليات، وأحياناً تحصل على وجبة من المطبخ العام كل ثلاثة أيام، بينما تظل أسعار السوق بعيدة عن متناول اليد. يضيف أن المياه شحيحة وتُنقل من مسافات بعيدة ولا تكفي اليوم كله، مع ثلاثة أوعية فقط للاستخدام اليومي.
شتاء يفاقم المعاناة
تشير إفادات العاملين الصحيين إلى أن غياب البنية التحتية وأنظمة التصريف في المخيمات يسمح بتجمع مياه الأمطار حول الخيام، ويزيد الاكتظاظ ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة من تدهور الصرف الصحي. تتناثر الخيام على الشوارع والشواطئ بعد أن ابتلعتها أمواج البحر، وتمنع أصوات الموج النوم ساعات طويلة. تقول صباح البريم إن الأسرة تفتقر إلى أبسط مستلزمات الشتاء من بطانيات وفرش وأغطية، وإن الأمراض بدأت تنتشر منذ بداية الموسم البارد.
على الصعيد السياسي، يقترب استكمال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار التي نصت على انسحاب جزئي وإعادة رهائن. تنظر الأطراف إلى مرحلة لاحقة تشمل لجنة تكنوقراط فلسطينية لإدارة غزة تحت سلطة رئاسة الدولة ونشر قوة استقرار دولية، مع بقاء سؤال نزع سلاح حماس بلا إجابة واضحة.
تستعيد نعمة عرفات، التي تقيم الآن على شاطئ المواصي، ذكريات حياة بسيطة ودافئة في منزلها شرق خان يونس، وتقول إنها لم تعد قادرة حتى على إشعال نار للطهي بسبب الرياح ونقص الحطب. تتمنى أن تتيسر سبل العيش وتتحسن الظروف، وتناشد العالم النظر بعين الرحمة وتقديم العون، بينما يدخل القطاع فصلاً شتوياً قاسياً يحمل معه مزيداً من البرد والحرمان.
https://www.theguardian.com/world/2025/nov/20/look-at-us-with-mercy-displaced-palestinians-dread-onset-of-harsh-winter

